الخميس، 10 ديسمبر 2015

صلات القربى بين الترجمة والكتابة

الترجمة والكتابة قريبتان إلى قلبي جداً، قرب القراءة، التي لولاها لما كانت ترجمة ولا كتابة. فالترجمة تبدأ بالقراءة، التي هي ضرورية للترجمة، وتنتهي بها، فنحن نترجم لمن يقرأ ترجماتنا. كذلك الكتابة لا أكتب إن لم أكن قارئة جيدة، ولا أكتب إن لم يكن هنالك من يقرأ لي. فمخاطبة الآخر أحد العوامل المهمة جداً التي تؤثر على اتجاهات الكتابة وأساليبها بل ومحتواها.
إذن هما فعلان متقاربان جداً وربما ليس كل كاتبٍ مترجم ولكن كل مترجم بالضرورة هو كاتب. وفي عصر التخصص أصبح على المترجمين - إن لم يكونوا فعلاً كذلك- أن يقرأوا كل ما تقع عليه أيديهم، وأن يتخيروا من العلوم والآداب وما بين ذلك مواداً يداوموا على قرائتها من حين لآخر. فالمترجم حتى إن حصر ترجمته في تخصص لا يحيد عنه، فهو يحتاج إلى أن يحفز دماغه وتفكيره بتنوع المواضيع واختلاف المجالات. فهذا مما يغذي المخيلة ويقدح الخيال، ويفتح أمامه عوالم الإبداع بلا حد ولا نهاية. ربما من حسنات هذا الزمان أن الابتكار والإبداع يحظيان بكثير من تقدير البشر خاصة أصحاب القرار. فمن سبقونا كانوا يدفعون عنهم صفة الإبداع دفعاً كمن يتنصل من تهمة شائنة، أو يدافعون عنه مثلما يدافع أدهى المحامون وأقواهم حجة عن موكليهم خاصة أصحاب القضايا الخاسرة.
أصبح الخيال الآن والإبداع والابتكار من الصفات المطلوبة في طالب العلم والمعلم، والمدير، والكاتب، والمصمم، والمدير وصاحب العمل أيضاً والمضارب بالمال والمقامر كذلك. فأضحى لزاماً علينا أن نحافظ على مخيلتنا التي هي تربة خصبة للأفكار البديعة والصور الخيالية المبتكرة والحلول الناجعة لمختلف أنواع المشكلات وألوان الصعوبات.
وهو شيء ساهم في تسهيل مهمتنا نحن من تنطوي معظم أنشطة على جوانب إبداعية، وفي نفس الوقت زاد من صعوبتها، فقد ارتقت الذائقة الجمالية والفنية للجميع تقريباً. أصبح كل العالم ذواقاً هكذا - وبشكل عادي جداً.
 أذكر أنني في كثير من الأوقات التي كنت أقضيها في ترجمة أحد المواضيع كنت أقطع عملية الترجمة لأبحث عن معلومة بعينها، فالإلمام بموضوع الترجمة من العوامل المهمة جداً في إخراج ترجمة أجمل وأكثر قابلية للاستيعاب والفهم بل ولا تخلو قراءتها من متعة.  وهذا الجزء من الترجمة يتعلق بالكتابة أكثر منه بالترجمة. حسناً نعم إنه التشابك بين الموضوعين والذي يتمتع بحق مفتوح في الظهور وقتما يحلو له ذلك، وأضمن لكم أنه سوف يلقى ما يرضيه من الترحيب متى ما ظهر، على الأقل مني أنا.

لقد دفعني العمل في الترجمة طيلة الشهور السبعة الماضية التي توقفت فيها عن الكتابة إلى الشعور بالشوق الشديد للعودة إلى الكتابة مرة أخرى. مدفوعة بتشجيع من كتاب مجيدين، وقائمة رائعة من الأصدقاء والقراء وإن قلّت.
ولأنّي صعبة الإرضاء والرضا- وناقدة قاسية بالسليقة خاصة على نفسي. فقد قررت أن أكتب حتى أستفيد من المحاولات الفاشلة التي تعتبر من أفضل لبنات البناء الناجح. نعم إن الكتابة ليست فعل لذاته في الغالب، بل هو يرمي إلى أهداف لا حصر لها ولا عد، وهذه الفقرة بالذات مثلاً ترمي إلى أحد عناصر التنمية البشرية، وهو التفكير الإيجابي وإحالة الفشل إلى خطوة إلى الأمام في طريق النجاح. وكل الطرق تؤدي إلى روما طالت أو قصرت مسافاتها. وما أجمل الطرق التي تعبّدها الكلمات الجميلة والجمل المفيدة والأخيلة الفسيحة والإبداعات الشيّقة والأساليب الأنيقة، حتى وإن صدرت من نفوس نيّقة وطموحة وتسعى إلى الكمال دون هوادة ولا ملل.
إذن هذه هي حياة من يحاول أن يطور الكتابة كمهنة، حتى إن لم يخصص لها كل وقته، لكنها لا تخلو من تعب ولا نصب ولا لعب ولا هزل ولا جدٍ، ولا شغف ولا عاطفة، ولا عقل ولا رأي ولا تحليل ولا منطق ولا هوى ولا جمال ولا طرب ولا لطف ولا عذوبة. لا تخلو من كل ذلك بل تضمه بين حناياها في ألفة لا تتأتى في ما سواها. وما الترجمة سوى نقل الكتابة من لغة إلى الأخرى. وهي في النهاية تنتقل بين كتابتين ليس لا إلا.
وبما أنني كتبت الآن أيضاً فأدعوكم أنتم أيضاً قرائي لتكتبوا وإن كنتم ممن يتدربون على الكتابة فرجاءً تواصلوا معي ربما ساعد بعضنا بعضاً فكل مهمة تسهل بالشركاء وتصبح أيسر بالرفقاء وأكثر متعة بالأصدقاء..